الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة سويعات قبل غزوة قمرت : "حرم" الدكتور يقرعون الطبول.. وكرتنا في حكم المجهول

نشر في  17 مارس 2016  (12:40)

على امتداد تاريخها المتواصل منذ ستين سنة تقريبا اذا ما ربطنا اشعاع كرة القدم التونسية منطقيا باستقلال البلاد، لم تشهد الساحة مثل هذا السقوط الوضيع والأليم لسيرها والذي تثبته عدة قرائن لا تقبل الدحض أو أنصاف التقييمات، طالما أن كرة القدم التونسية باتت في هذه الفترة أسيرة لحرب شعواء بالمعنى التام للمصطلح وانحدرت الى صراع مصالح وأحلاف وتقسمة جغرافية لم نكن نتوقع يوما أن نبلغها..
الكرة التونسية ستكون بعد ساعات مع موعد فارق ولحظة تاريخية ستكون -للأسف- متزامنة مع ازدياد للاشارات السلبية في ظل اتجاهها الى أروقة المحاكم القضائية وهياكل النزاعات الرياضية محليا ودوليا، وذلك في ظل الاختلاف المثير في وجهات النظر حول مآل جلسة الغد بقمرت ومدى شرعيتها من عدمها بين شق يستميت في نصرة وديع الجريء وحلف ثان اعتمد كل المسالك لاجهاض حلم الرئيس الحالي بعقد جلسته الانتخابية تمهيدا لمواصلة فترة حكمه النيابية.
بين المنزلتين، اختفت الأصوات المناصرة لكرة القدم التونسية، لأن ما نعيشه وبكل تجرّد وموضوعية هو حرب عصابات من الجانبين يبحث خلالها كل طرف و"زبانيته" عن مصالح توحي للملاحظ العادي أن هنالك قتالا من أجل كعكة يريد كل طرف جذبها الى طاولته..ولا وجود لمنفعة لكرة القدم التونسية في كل ما يحصل..وأما من يقول غير ذلك فهو يهذي ويهادن لغاية في نفسه الامارة بالسوء ويريد اقناع الجميع عبثا بأنه منقذ البلاد والعباد وساع لاصلاح كرة أحاطت بها العلل المزمنة من كل جانب..
الحرب ستلقي وزرها في غضون ساعات، لكن مصير الكرة التونسية لم يتوضّح بين اصرار وعناد ومكابرة بلا حدود من وديع الجريء وجماعته على اجراء هذه الجلسة مهما انتصبت العراقيل، وجماعة ثانية تضغط بكل الوسائل من أجل اجهاض التحركات..وفي كلا الحالتين ستتضرّر كرتنا من بقاء الجريء وجماعته أو عند الوصول الى حالة الفراغ القانوني التي قد تسفر عن تداعيات وخيمة ومنها العقوبة الدولية..
أصل الخلاف وحتى نكون في منتهى الوضوح يتحمل الجريء جانبا كبيرا من استفحاله باصراره على المواصلة رغم حالة الرفض الشعبي لبقائه،وهنا سنسعى قدر الامكان الى الوقوف على نفس المسافة من الجانبين لترجمة ما يدور على أرض الواقع ونقل انتظارات الشارع الرياضي "البريء" من لعبة الأحلاف والحسابات، كما أنه لا بدّ من الاقرار أن الوجوه التي مللنا مشاهدتها واحتلت كل المانشات والمنابر والعناوين لن ينصلح معها حال كرتنا..وذلك لتفسير بسيط وهي أنها تتولى مهاما عديدة سرّا وعلانية منذ سنوات ولم تحمل غير الشقاء والمتاعب لكرتنا وأنديتنا، ولذا فاننا لا نتصور "قيادة ثورة" من قبل أحد المرشّحين الاثنين للجلسة ان كتب لها الوقوع.. وحتى كذلك جبهة المعارضة التي كانت منخرطة بدورها الى حد قريب في هذه المنظومة الفاشلة بين مسيرين في النوادي أو في هياكل الجامعة وحكام وخبراء قانون وقضاة في الكناس..فكلهم كانوا الى حدّ قريب من صناع القرار أو من مسانديه بطريقة أو أخرى،ولا ندري أن نفحة ثورية لفحتهم لتحوّلهم بين جلسة وضحاها الى منقذين وجهابذة لا ينصلح الوضع الا بتحركاتهم..
كرتنا بلغت منذ سنوات مرحلة الموت السريري، ولعل الجدل القائم حول الجلسة الانتخابية يعد في الأعراف الطبية موتا رحيما (يبقى الدكتور الجريء أكثر أهلية لتقييمه) في انتظار اتمام واجب الدفن عبر عقوبات بتنا نترقب صدورها بين الفينة والأخرى..وكم تمنينا حقا بروز وجوه أخرى خبرت الملاعب ونهلت من منابع الكرة ولا همّ لها سوى خدمة الكرة واصلاحها واحاطتها كما يجب درءا للشبهات ومعالم الفساد التي تحيط با من كل جانب..ولم تعد حقا بحاجة الى مناورات من "طموحين" لخدمة غايات ذاتية..أو لاستعراض بطولات وهمية من رواد الفساد الرياضي سابقا ممن حاولوا عبثا اقناعنا بغير ذلك..
الأدهى في مثل هذا المشهد السريالي الذي نرسمه الأن جميعا، هو السعي المحموم الى تقسمة البلاد الى شمال وجنوب..وبين مساند لوديع وموال لتقية..ومصطف وراء البارودي..فكرتنا لا تحتمل مثل هذا التصنيف ووضع البلاد لا يقبل مزيد الاشتغال على وتر اللعنة الجهوية المقيتة..
أحد أمهر العازفين في هذا الجانب يبقى دون شك وديع الجريء الذي استثمر مليا أحداث بنقردان لتهييج المشاعر، والدليل هو تواتر البيانات المساندة له من فرق ورابطات الجنوب على وجه الخصوص وتهديدها بالمقاطعة في حال تواصل ضرب "ابن الجهة" وحتى التلميح المبطن للنزول الى الشارع لحسمها بما يشبه أساليب الميليشيات، كما جاء في النصوص التي كانت دقة وتشابه مصطلحاتها من ناد الى أخر دليلا على أنها حبرت من نفس "المحرّر" صياغة ومضمونا، واذا ما كنا نعتز ونفتخر بجنوبنا (ونحن منه) فان الواقع يتطلب النأي بالبلاد عن مزيد التفرقة، فكرة القدم أردناها وخلقت للتوحيد ولا التفرقة، وأما من أراد العمل على المواصلة في فرض هذه الأساليب فهو مطالب بتغيير مجال النشاط بعيدا عن الكرة كمتنفس وحيد مازال يغري السواد الأعظم من هذا الشعب..
نقطة أخرى تثير الانتباه وهو ما اعتمدته بعض الأقلام والمصادح التي اختارت طوعا وبشكل مفضوح ولئيم مساندة هذا الجانب أوذاك أو تم استقطابها بمسميات عديدة كالوظائف والخطط والسفريات..وهذا أمر يسير الى التضخّم في اعلام كان من المفترض أن ينتصر الى المصلحة الوطنية ويكشف الهنات والفضائح المدوية التي تحاك سرّا..غير أن صاحبة الجلالة فقدت جانبا من نبلها وباتت مرتعا للباحثين عن الغنيمة..ولا شك في أن جانبا كبيرا ممن يعنيهم هذا الكلام..سيلعنون سرّا من تطرق الى مخطّطاتهم وحاول كشفها..ولكنهم سيواصلون الهرولة وراء من اقتادهم عنوة الى غرفة الظلام حيث يتم التخطيط لكل هذه السيناريوهات الدنيئة باحكام..
الأن وبمنطق الزمن لم تتبق الا سويعات عن "غزوة قمرت" المرتقبة، وهذا ما يجعلنا أمام شبه حالة "للنفير العام" بعد قرع الطبول الحاصل طيلة الساعات الفارطة في وقت كان فيه من الأجدى تخصيص هذه الترسانة من التعزيزات والاستنفار الأمني والقضائي الى محاور أهم كصدّ الارهاب وكشف منابعه، ولكننا فعلا اعتنينا بالارهاب الكروي ونسينا البلاد..
كنا ننتظر من وديع الجريء (الذي أغلق بالمناسبة أبواب الجامعة هذا الصباح) أن يبتعد طوعا اثر ما لحقه من انتقادات وشتام وأهازيج جماهيرية في العامين الفارطين لا تتطلب الكثير من التفكير للابتعاد وترك المجال أمام البقية حتى يثبتوا قدرتهم على تطبيق ما أمطروا به مسامعنا من وعود ونحن على يقين من فشلهم المسبق بعد تسلّم الكرسي ..ولكن الجريء أصر بعناده وصدامه المعتاد (والذي يصرّ على التبرؤ منه دائما) على قيادتنا الى هذه الحال..فمن يخلّصنا الأن من هذه الأدران والأوحال قبل سوء المآل؟؟

طارق العصادي